ثقافة وفنون

في يومها العالمي.. العربيّة ذلك الكنز المكنون

أ.عمر المزعل

يوافق يوم الثامن عشر من شهر كانون الأوّل من كلّ عام اليوم العالميّ للغة العربيّة، وهو اليوم الذي خصّصته منظمة الأمم المتّحدة للتربية والثقافة والعلوم ( اليونيسكو ) للاحتفال باللغة العربيّة ، لكونه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة قراراً ينصّ على إدخال اللغة العربيّة ضمن اللغات الرسميّة، لغايات العمل التي يتمّ التداول بها في مؤسّسات الأمم المتّحدة .

  ولاريب أنّ للغة العربيّة منزلةً لا تُضاهى، ومكانةً لا تُسامى بين اللغات، فهي اللغة التي نزل بها الوحي واختارها الله عزّ وجلّ لكتابه الكريم ، كما قال الله تعالى في محكم تنزيله : ((إِنَّا جعلْناهُ قرآناً عربيّاً لعلَّكُم تعقلونَ))

واللغة العربيّة هي المقوّم الأساسيّ للأمّة العربيّة ، والميثاق الجامع بين أبنائها ، ووسيلتها إلى الترقّي والنهوض بين الأمم، وهي لغتنا الأمّ ، لغة الآباء والأجداد ، وعنوان شخصيّتنا ومستودع تراث أمّتنا وذاكرتِها، وفيها تجلّى الفكر والعلم والثقافة والأدب في أزهى عصور حضارتنا العربيّة الشامخة، وهي كما قال الشاعر حليم دمّوس الرابطة التي تجمع بين العرب في مختلف بلدانهم :

لـو لم تكُنْ أمُّ اللغـاتِ هيَ المُنـى

 لكسرتُ أقلامي وعِفتُ مِــدادي

لغـةٌ إذا وقعـتْ عـلى أسماعِنــــا

كانتْ لنا بـــــرداً على الأكبــــادِ

سـتظلُّ رابــــــــطـةً تؤلّـفُ بيـننـا

 فـهيَ الرجــاءُ لـناطــقٍ بالضـــادِ

اللغة العربيّة بين الأمس اليوم

في يوم اللغة العربيّة لا بدّ لنا أن نذكر أنّ العربيّة عزّت يوم عزّ أهلها ، فكان لها مكانها من قيادة الثقافة العالميّة، فكانت تمثّل الحلقة الواصلة بين حضارات العالمين القديم والحديث، وقد كان للعرب فضل على الغرب في تكوين حضارته الحديثة عن طريق اللغة العربية حيث أيقظ نور الحضارة العربية الإسلامية الساطع أوروبا من نومها العميق في القرون الوسطى عن طريق عشرات الجامعات العربية المتواجدة على الأراضي الأوربية في الأندلس وصقلية وغيرهما، وقد أقرّ بذلك الكثير من علماء الغرب المنصفين ومنهم المستشرقة الألمانيّة زيغريد هونكه في كتابها ( شمس العرب تسطع على الغرب ) حيث تقول :

” أجل ، إنّ في لغتنا كلمات عربيّة عديدة ،  وإنّنا لَندين – والتاريخ شاهد على ذلك – في كثير من أسباب لحياة الحاضرة للعرب . وكم أخذنا عنهم من حاجات وأشياء زيّنت حياتنا بزخرفة محبّبة إلى النفوس ! وألقت أضواء باهرة جميلة على عالمنا الرتيب الذي كان يوماً من الأيام قاتماً كالحاً باهتاً ” .

واللغة العربيّة قادرة اليوم أنْ تعبّر بيسر عن حضارة عصرنا مثلما عبّرتْ من قبل عن الحضارات السابقة .

والعربيّة اليوم لغة ما يزيد على أربعمئة وخمسين مليون عربيّ ينتشرون ما بين الخليج العربيّ شرقاً والمحيط الأطلسيّ غرباً ، وهي اللغة المليار ونصف المليار من المسلمين في كافّة القارات وفي مختلف جهات الأرض، وهي من أكثر اللغات التي تلقى إقبالاً على تعلّمها في مختلف بلدان العالم هذه الأيّام .

من خصائص اللغة العـربيّة

العربيّة أطول اللغات الحيّة عمراً ، وقد ولدت شابّة ولم يدركها الهرم شأن اللغات الأخرى. ومازلنا إلى اليوم نقرأ ونعجب بأدبها الإنسانيّ الخالد (شعراً نثراً) الذي كتب منذ ما يزيد على ألف وستّمئة عام .

وتُعتبر اللغة العربية من أذكي اللغات من ناحية الأبجديّة وربط الجمل مع بعضها، كما أنّ قاموسها ومعجمها اللغويّ يتجاوز ١٢ مليون كلمة ، ممّا يجعلها الأولى عالميّاً من حيث عدد الكلمات، وهي تمتلك كذلك ١٦ ألف جذر لغويّ، وهو عدد يفوق جذور كلّ لغات العالم .

ومن الخصائص التي اتّسمت بِها العربيّة كذلك سعتها ومرونتها، وثرائها وغنى مفرداتها ، وكثرة مترادفاتها، وقدرتها على التعبير عن كلّ المفاهيم الإنسانيّة بدقّة متناهية ووضوح وبيان وبهاء لا نظير له، بالإضافة إلى استجابتها للإنتاج الحضاريّ في سائر العلوم والفنون .

وقد أثنى المستشرق الفرنسي “لويس ماسينيون” عليها وعلى نقاءها وعلى سمة الإيجاز التي تتّسم بها قائلاً : ” العربيّة من أنقى اللغات ، فقد تميّزت بتفرّدها في طرق التعبير العلميّ والفنيّ. كما أن الإيجاز الذي تتّسم به لا شبيه له في سائر لغات العالم والذي يعدّ معجزة لغويّة “.

إن اللغة العربيّة بسماتها الفريدة وخصائصها العديدة تمثّل الكنز النفيس لأبناء الأمّة العربيّة، وهي هُويّة كلّ عربيّ تسمو بروحه وعقله ووجدانه إلى مراقي الكمال والجمال،  وهو ما جعل أمير الشعراء أحمد شوقي يقول مادحاً لها :

إنّ الذي ملأ اللغاتِ محاسناً

جعل الجمال وسرّه في الضاد

واجب العرب نحو لغتهم

لأنّ اللغة كالأرض للإنسان يجوع إذا  لم تطعمه ، فهي كذلك تُجدب وتموت إذا لم يُعمل للحفاظ على خضرتها ونضارتها… لذلك تنتظر لغتنا الجميلة جهود أبنائها البررة الصادقة ليرتقوا بأنفسهم وبلغتهم في كلّ ميادين الفكر والحضارة ، وليحافظوا على لغتهم كما يحافظون على عيونهم ، لأنّ الحفاظ عليها حفاظ على الذات والهوية والثقافة العربيّة ونخصّ بهذا الكلام  أبناءنا  السوريين والعرب المهجّرين والمنفيّين والمشرّدين خارج أوطانهم بفعل الثورات المضادّة للربيع العربيّ في سورية وليبيا واليمن ومصر وغيرها .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى